تهيئة مريم في السّماء، تمرّد لوسيفورس، وعد الله بانتصارها عليه -المكرّمة ماريا داغريدا-
(مِن كتاب المكرّمة “ماريا داغريدا” “مدينة الله السريّة” أو “الحياة الإلهية لمريم العذراء الفائقة القداسة” الذي كتبته بطلب العذراء نفسها بعد أن زوّدتها بأسرارٍ ورسائلٍ ورؤًى وانخطافاتٍ كشفت فيها مريم عَن حياتها وحياة إبنها على الأرض وفي السماء).
عندما رأى الربّ أنّه قد آن الأوان لتنفيذ تصميمه حول تفاعلاته الخارجيّة، خلق أوّلاً -كما قال موسى- السّماء مسكن المختارين الأبدي والأرض مسكن البشر العابر. وفي داخل الأرض خلق الجحيم مع نارها الماديّة لعقاب الهالكين.
وقد تكلّلوا بالنعمة منذ أوّل لحظة من وجودهم ولكن ليس بالمشاهدة الإلهيّة التي لم يكن باستطاعتهم أن يتمتّعوا بها إلاّ بعد أن يستحقّوا بأمانتهم بالتجربة. خضعوا حالاً لهذه التجربة ذات الدرجات الثلاث. أوّلاً وفي نفس الوقت الذي عرفوا فيه ذات الله وكمالاته غير المتناهية وحقوقه الربّانية على خلائقه، ونعيم السماء، وعذابات جهنّم، تلقّوا أمر عِبادته. فأطاعوا بسرعة ومحبّة باستثناء لوسيفورس المُتعجرف بسبب امتيازه فإنّه لم يُتمّم هذا الواجب إلاّ بأسفٍ مدفوعًا بفعل العقل أكثر منه بفعل المحبّة. وعدم تنزّهه هذا هيّأه للثورة.
وفي درجة ثالثة أمر الله الملائكة أن يعترفوا بالمرأة، التي سيتمّ بواسطتها تجسُّد الكلمة، ملكةً عليهم، وهي بفعل هذا الامتياز وَجَب أن تترفّع بصِفاتها وأمجادها فوقَ جميع المخلوقات. فأراهم إيّاها بطريقةٍ خياليّةٍ، كما وصفها الرسول القدّيس يوحنا في الفصل الثاني عشر من سِفر الرؤيا:
مُتّشحة بالشمس، أي بالله، شمس العدالة الحقيقية، وتحت رجليها الظافرتين، القمر، أي ظلال الخطيئة يُرمَز إليها بكوكب الليل. وكانتن مكلّلة باثنتي عشرة نجمة تُمثّل فضائلها. والمُختارين الذين ستكون مثالاً وسندًا لهم. وتلِدُ أخيرًا للعالم طفلاً إلهيًّا ذبيحةُ فدائه المستقبلية تجعلُها تُرسل صراخات أليمة.
وبينما هو في أعلى درجات الادّعاء والغضب الفاقد الصّواب قال لله بمُنتهى الوقاحة:
سأقلب مقاصدك وسأحرم هذ المرأة من الشرف الذي تُعدّه لها.
من بإمكانه التشبّه به، هو غير المتناهي في عمله وقدرته وصلاحه؟ أليس هو سيّد عطاياه؟ فمَن من حقّه أن يعترض على توزيعها؟ فلنعبُد إذًا، لأنّه أراد، الإنسان المتجسّد بالكلمة، ولنكرّم المرأة الطوباويّة التي يجب أن يتمَّ فيها هذا السرّ. فلنعترف بها سيّدة لنا من كلّ قلوبنا.
أمّا الملائكة الأشرار فعِوض أن يعودوا إلى صَوابهم الحقيقيّ ويُرجعوا لله حقوقَه بتوبةٍ نافعةٍ للخلاص تصلّبوا بالتجاديف وثورة كبريائهم الجُموح يُحرّضهم دومًا رئيسهم الغادر.
وكانت هذه آخر كلمة تلفّظوا بها بحرّيتهم الفاسدة وغير القابلة الإصلاح. ونالهم العقاب حالاً وكان ذلك في بدء اليوم الثاني للخليقة.
فانقلب لوسيفورس الذي تعجرف تعجرُفًا أثيمًا بجماله، إلى تنّينٍ قبيح المَنظر بِسبعة رؤوسٍ، صُورًا لأتباعه، وعليها سبعة تيجان تمثّل الخطايا الرئيسة وعشرة قرون صورةً لقِوى الإضطراب.
رمى به الملاك ميخائيل، أداة العدل والقوّة الإلهيّة، إلى الجحيم مع أسمائه الجديدة التّنين، والثعبان، والشيطان وإبليس، التي كان قد لقّبه بها رئيس الملائكة أثناء تلك الحرب المأثورة. وقد تبعته جحافلُ الأبالسة الآخرين وخُصِّصت أماكنُهم في السماء للمؤمنين الصالحين.
وراحت أصداء هذه الهتافات، تُذعر المنفيّين إلى الجحيم. وبعدئذٍ كشف الله بأنوار ساطعة، للملائكة المفتونين عجبًا، عن أسرار التجسّد والفداء وعن مصير العذراء القدّيسة الفريد وعن رسالتهم تُجاه البشر وبخاصّة تجاه الكلمة المُتجسّد وأمّه الجليلة، وهذا ما جعله يشعر بارتياحٍ يفوق كلّ ما سبّبته له ثورة إبليس من استياء.
وكانت ضد هذين الشخصين بالذات، قد قامت نقمة الشياطين في الجحيم، لأنّهما كانا سبب سقوطهم الشنيع.
في النهاية قلبي البريء من الدنس سينتصر
– ظهور فاطيما، البرتغال 1917-